https://www.arabicdawateislami.net/blog/552
قال الله سبحانه وتعالى:
يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَٰنٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ نُورٗا مُّبِينٗا ١٧٤
التفسير:
قوله تعالى:
قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَٰنٞ مِّن رَّبِّكُمۡ
في "البرهان" أقوال غير أننا نكتفي هنا بذكر قولين:
أحدها: أنه القرآن.
والثاني: أنه النبي محمد ﷺ، قاله سفيان الثوري والإمام ابن جرير الطبري والإمام فخر الدين الرازي والعلامة القرطبي رحمهم الله تعالى.
وقال الإمام أبو حيان رحمه الله تعالى: الجمهور على أن البرهان هو محمد ﷺ
إن الله تعالى أعطى لكل نبيّ معجزة، ومنح نبينا محمد ﷺ أكبر قدرًا من المعجزات، حتى أرسله كمعجزةٍ كاملةٍ في حد ذاته.
المعجزة في اللغة: هي ما يُعجِزُ الانسان عمله.
وفي الاصطلاح فهي أمر يظهر بخلاف العادة، والمراد بخلاف العادة أنه لا يحدث ذلك عادة بدون أسباب ظاهرية مثلما أشار شخص إلى الأرض فنبع الماء منها.
أما أقسام خوارق العادات فهي خمسة:
الإرهاص: هو ما يظهر للنبي قبل بعثته.
المعجزة: هي أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدّي، ودعوى النبوة يعجز البشر عن الإتيان بمثله.
الكرامة: هي ما يظهر على يد وليّ.
الْمَعُوْنَة: هي ما يصدر عن عامة المؤمنين ممن ليس فاسقًا ولا وليًّا.
الاستدراج: هو ما يظهر على يد كافر أو فاسق مجاهر على وفق غرضه
إن الإرهاص والمعجزة كلاهما يكونان للنبيّ لكن الفرق بينهما أن الإرهاص قبل النبوة والمعجزة بعدها، مثل تظليل الغمام للنبي ﷺ قبل البعثة إرهاصٌ وكذا شقّ صدره قبلها إرهاص وبعدها معجزة.
قد وردت للمعجزة في القرآن الكريم كلمات "آية وبينة وبرهان، ونصر من الله" وحكمة المعجزة هي التصديق والتأييد الإلهي للنبي الذي أرسله الله تعالى بأنه نبي الله حقًّا، كما يدّعي شخص أنه ممثل لملك ويقول: إن الملك سوف يفعل ما أطلبه تصديقًا لكوني ممثلا، ثم بناءً على طلبه يعفو الملك حقًا عن عقوبة شخص ما أو يمنح أحدا كنزًا.
منح الله الأنبياء الكرام معجزات ذكر أكثرها في القرآن والحديث، ووفقًا لتصريحات بعض أئمة الدين، أنهم أعطوْا هذه المعجزات بتوسُّل سيدنا محمد ﷺ الحبيب.
كما قال الإمام الأبوصيري رحمه الله:
وكل آيٍ أتى الرسل الكرام بها***** فإنما اتصلتْ من نوره بهــــمِ
فإنه شمسُ فضلٍ هم كواكبُهــا*****يُظْهِرنَ أنوارَها للناس في الظُلـمِ
قال الإمام أحمد رضا الهندي الحنفي رحمه الله تعالى في ديوانه الأردية:
لَا وَرَبِّ الْعَرْش جس کو جو ملا ان سے ملا
بٹتی ہے کونین میں نعمت رسول اللہ کی
أي: بربّ العرش! من نال أيّ نعمة يَنَلْ بوسيلة سيدنا محمد ﷺ؛ لأن نعمته توزّع في الدنيا والآخرة.
وهذا المعنى وضّح في الآية 81 من سورة آل عمران أي: "آية ميثاق الأنبياء"، وهذا هو ما أشار إليه سيدنا النبي ﷺ بنفسه بالقول:
"إنما أنا قاسم والله يعطي"
فهنا لا حدّ لعطاء الله، ولا حدّ لتقسيم سيدنا النبي ﷺ، ولا حدّ للمتلقّين.
عدّة فروق بين معجزات سيدنا محمد ﷺ ومعجزات سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
الفرق الأول: نبينا الكريم ﷺ أُعطِيَ معجزاتٍ أفضل من كل نبيّ قبله، مثلاً لاحِظ الفرق بين معراج النبي ﷺ وبين معراج إبراهيم عليه السلام، وأما معراج إبراهيم عليه السلام فحيث أن الله تعالى أرى إبراهيمَ عليه السلام مُلك السموات والأرض وهو على الأرض، فقال تعالى:
وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ
وأما معراج نبينا الكريم ﷺ فقد شرّفه الله به ذاهبا به فوق السموات مع إرسال أفضل الملائكة إليه، وإيقاظ حبيبه ﷺ من النوم به، فقال تعالى:
سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا
وعلى أنّ صعود النبي محمد صلى الله عليه وسلم فوق السموات وقد تمّ ذكره في سورة النجم.
وكذا منح الله موسى عليه السلام معجزة التكليم، حيث قال تعالى:
وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا ٦٤
غير أنّه حين سأل رؤية الله مُنع منها كما في القرآن الكريم:
رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي
لكن خص الله حبيبه ﷺ برؤيته بغير طلب من قِبله مع رزقه بالتجلي الخاص عليه، كما قال تعالى:
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ٨ فَكَانَ قَابَ قَوۡسَيۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ ٩ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَىٰ عَبۡدِهِۦ مَآ أَوۡحَىٰ ١٠
وقال:
مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ١٧
الفرق الثاني: أن نبينا محمد ﷺ كان أكثرهم معجزة كما هو ظاهر من كتب الأحاديث والفضائل مثل دلائل النبوة للبيهقي والخصائص الكبرى للسيوطي وحجة الله على العالمين للنبهاني وغير ذلك. كما أن كرامات الأولياء معجزات لأنبيائهم لأن الولي إنما نال ذلك ببركة متابعته لنبيه وكرامات أولياء الأمة المحمدية تفوق الحصر وكل ذلك معجزة للنبي محمد ﷺ.
الفرق الثالث: معجزاته ﷺ كثير منها التي فيما تبدو، معجزةٌ ولكنها تحتوي على معجزات كثيرة كالقرآن والمعراج، فإنهما معجزتان تحتويان على معجزات لا حصر لها.
الفرق الرابع: كانت معجزة كل نبيّ مناسبة للعصر الذي كان يعيش فيه ذلك النبي ومن جنس ما برع فيه قومه الذين أرسله الله إليهم، فعلى سبيل المثال، في زمن سيدنا موسى عليه السلام كان السحر منتشرًا بينهم، وكان قوم سيدنا عيسى عليه السلام ممن برعوا في فنون الطب والتداوي، وكانت في عصر سليمان عليه السلام غلبة السحر وكثرة الجنّ، فمنح الله لكل منهم معجزة مناسبة لما غلب على قومه وبرعوا فيه، ولأنّ النبيّ محمّدا ﷺ نبيٌّ يجب اتّباعه حتى يوم القيامة، فأعطاه الله جميع أنواع المعجزات من الفصاحة والبلاغة، والطبّ، والقوة، والعلم، والأقمار الصناعية وغير ذلك، فمثلا:
• من ناحية الفصاحة والبلاغة قد أعطي النبي ﷺ قرآنًا فصيحًا وبليغًا لا يمكن الإتيان بمثله، ولا حتى الإتيان بمثل سورة من سوره.
• عندما تمّ اتهام النبي بالسحر شقّ القمر نصفين وهو ما لا يقدر ساحر على القيام به.
• ولأن مجال الطب كان أن يتقدّم علمًا في المستقبل فقد عالج النبي ﷺ المرضَى باللمس بيديه وباللعاب.
• وإذا كان السفر إلى الفضاء سيقع في المستقبل فقد أعطي النبي ﷺ معجزة المعراج.
• وبما أن عصر القمر الصناعي كان سيأتي في القابل من الزمان فتمّ عرض الكون بأكمله أمام النبي ﷺ كما قال ﷺ:
إن الله عز وجل قد رفع لي الدنيا فأنا أنظر إليها وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة كأنما أنظر إلى كفّيْ هذه
وقال ﷺ في مقام آخر:
فتجلّى لي كلُّ شيءٍ وعرفتُ
يا رسول الله! لديكَ حُسْنُ سيدنا يوسف عليه السلام، وقدرة شفاء سيدنا عيسى عليه السلام، ومعجزة يد سيدنا موسى عليه السلام، بل كل الخصائص الجميلة التي كانت موجودة في سائر الأنبياء عليهم السلام، هي جميعها موجودة في ذاتك.